الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
shape
شرح الورقات
45362 مشاهدة print word pdf
line-top
الأخبار

..........................................


ذكر بعد ذلك الأخبار يعني: الاستدلال بالسنة، والاستدلال بالأخبار، يقول الخبر ما يدخله الصدق والكذب أي: الكلام ينقسم إلى قسمين: خبر وإنشاء.
فالإنشاء: هو –مثلا- الأمر والنهي ونحو ذلك، إذا قلت لولدك: أعطني ماء أشرب، هذا يسمى إنشاء، أو قلت: تعلم يا ولدي القرآن، هذا يسمى إنشاء، لا يقال فيه صدقت ولا كذبت.
وأما الخبر: فهو الذي إذا نقله أحد فقد يصدقه بعضهم وقد يكذبه بعض؛ فإذا قلت –مثلا- نزل المطر على البلد الفلانية. فقد يقول بعضهم: كذبت. ويقول بعضهم: صدقت. لأن هذا خبر نقلته يمكن أن الذي نقله لك غير متثبت فهو يحتمل الصدق والكذب.
الخبر ينقسم إلى قسمين:
متواتر وآحاد، هذا تقسيمهم له.
المتواتر تعريفه: ما يوجب العلم. هذا نتيجته أنه يوجب العلم. وتعريفه: ما رواه جماعة لا يقع التواطؤ منهم على الكذب عن مثلهم إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه ويكون في الأصل عن مشاهدة أو سماع لا عن اجتهاد.
ويعرفه بعضهم: ما رواه عدد كثير تحيل العادة تواطئهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه وكان مستندهم الحس ليس العقل.
فإذا رواه –مثلا- من الصحابة خمسة أو ستة وهم متفرقون حدث به واحد في اليمن حدث به واحد في الحجاز وآخر في العراق وآخر في الشام وآخر في مصر ثم نقله عن كل واحد منهم جماعة، ثم استمرت الكثرة إلى أن وصلت إلى المؤلفين الذين كتبوه كالبخاري وأحمد والطيالسي ونحوهم، فإننا نقول: هذا الحديث متواتر في ذلك الزمان، الأماكن متباعدة الذي في اليمن والذي في الشام بينهما مسافة طويلة فلا يمكن أن هؤلاء الخمسة يجتمعون ويقولون: اختلقوا كذا، اكذبوا كذا وكذا، ولا يمكن أيضا أن الذين حدثوا عن اليماني هم عدد كثير، أنهم تواطئوا وكذبوا على ذلك العالم اليماني وهكذا وهو أن يرويه عدد كثير تحيل العادة تواطئهم على الكذب، منهم من حدهم بخمسة، ومنهم من قال: عشرة، ومنهم من قال: عشرون أو أربعون أو سبعون، ولكن ليس هناك دليل يحدد هذا المتواتر.
ولا بد أن تصير الكثرة من أول السند إلى آخر السند، ولا بد أن يكون منتهاهم الحس ليس منتهاهم العقل، فإذا قالوا: قد سمعنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يتكلم بكذا، أو قالوا رأيناه كل واحد يقول: رأيته إذا سجد سجد كذا وكذا، على السبعة أعضاء –مثلا- أو يقول: حضرته وقد فعل كذا وكذا. فكل هذه تعتبر من المشاهدة، أما إذا كان منتهاهم العقل فإنه لا يصير متواترا؛ فلذلك لا يقع العلم بما يعتقده الفلاسفة من قدم العالم أو من عدم حجمه لأنهم إنما يعتمدون على الفكر لا على السماع ولا على الكلام.
وأما الآحاد: هو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم.
هكذا يعرفه كثير من الفقهاء، ومنهم هذا المؤلف الذي هو الزبيدي يختار هنا أن المتواتر لا يوجب العلم، وإنما يعمل به؛ ولكن القول الصحيح: أنه يوجب العلم. وبعضهم اعترض بأنه يوجب العلم، ولكن علما ظنيا لا علما يقينيا، والصحيح: أنه يوجب العلم اليقيني، وقد أطال العلماء فيه- الكلام على الآحاد- تكلم عليه ابن حزم في كتابه الإحكام وبين أنه يفيد العلم، وكذلك نقل كلامه ابن القيم في الصواعق المرسلة وحقق أنه يوجب العلم؛ وذلك لأن الأشاعرة والمعطلة ونحوهم لما جاءتهم أحاديث صحيحة؛ قالوا: إنها آحاد والآحاد لا يوجب العلم، وإنما يعمل به فلا نقبلها في العقيدة؛ لأن العقيدة لا بد فيها من أدلة يقينية، فناقشهم ابن القيم في كتابه الصواعق المرسلة ويوجد الكلام في المختصر- مختصر الصواعق المرسلة- ولا يزال هناك من يرد أحاديث الآحاد.
قد ذكرنا أن واحدا من أهل عمان ألف رسالة وسماها السيف الحاد على من يحتج بالآحاد ورسم فيها صورة السيف، وهذا تجرؤ وطعن في الصحيحين وطعن في الآحاديث الثابتة، وقد كتبنا رسالة في أخبار الآحاد، وطبعت قبل عشرين سنة أو نحوها بعنوان أخبار الآحاد في الحديث النبوي حجيتها ومرادها والعمل بموجبها وأعيد أيضا طبعها في الحجاز واعتمدنا فيها على ما ذكره ابن القيم وعلى ما ذكره الإمام الشافعي في الرسالة من الأدلة على أن أخبار الآحاد تفيد العلم اليقيني ليس فقط العلم الظني كما يقوله بعضهم، وليس كما يقولون إنها تفيد الظن.

line-bottom